صناعيون: تخفيض التعرفة الجمركية يربك المصانع المحلية
أثار قرار الحكومة بتخفيض التعرفة الجمركية على عدد من السلع المستوردة ردود فعل رافضة من قبل الصناعيين، الذين رأوا فيه إضعافا للإنتاج الوطني على الصعيد المحلي.
وأبدى عدد من هؤلاء تخوفهم من إغراق الأسواق بالواردات على حساب المنتج الوطني الذي لن يصبح قادرا على المنافسة مع انخفاض أسعار تلك الواردات.
ولفت عدد منهم إلى أنهم صدموا بهذا القرار الذي يأتي في الوقت الذي يوجه جلالة الملك في كل مناسبة بدعم الصناعة الوطنية وتخفيف القيود والمحددات أمام انطلاقها لتأمين احتياجات السوق المحلية والمنافسة في الأسواق المجاورة والدولية.
رئيس غرفتي صناعة الأردن وعمّان المهندس فتحي الجغبير شدد على رفض القطاع الصناعي أي تخفيض للرسوم الجمركية على المستوردات التي يوجد لها مثيل محلي.
وفي تصريح إلى «الرأي»، قال الجغبير أن القرار الأخير القاضي بتخفيض الرسوم الجمركية على عدد من السلع الغذائية من بداية العام الحالي، «لا يشكل تهديدا على الصناعة الوطنية، وبخاصة بعد أن تم التنسيق مع الحكومة على أن السلع موضع القرار ليس لها مثيل محلي من الصناعة الوطنية في ظل ما وصفه بـ"بعض اللغط في تفسير البنود الجمركية ذات المثيل المحلي على غرار الطحينية وزيت الصويا».
وأكد في ذات الوقت تميز الصناعات الوطنية من الطحينية والزيوت النباتية، وقدرتها على تلبية احتياجات السوق المحلي والمواطن الأردن بالجودة والسعر المطلوبين.
وأشار إلى أن هذا القرار يمتد «فقط لغاية 3 شهور من بداية العام الحالي، بهدف التخفيف على المواطنين خلال شهر رمضان القادم».
وأكد الجغبير أن القطاع الصناعي مع أي قرار يصب في مصلحة المواطن والتخفيف من الأعباء المعيشية عليه. حيث تأتي هذه القرارات لضمان توافر السِّلع الأساسيَّة والمحافظة على المخزون الاستراتيجي الغذائي واستقرار الأسعار.
ووفق الجغبير، فقد صاحب هذا القرار، وفي إطار دعم الصناعة الوطنية وتعزيز انسياب السلع للسوق المحلي والتخفيف على القطاعات الاقتصادية، عدد من القرارات أبرزها البلاغ رقم (53) لسنة 2022م الذي ينص على تمديد العمل بأمر الدِّفاع رقم (31) لسنة 2021م، المتعلِّق بتحديد الحدّ الأعلى لتكاليف أجور نقل البضائع المستوردة إلى المملكة، وذلك حتى تاريخ 31/3/2022م، بعد التخفيف من كلف النقل والشحن.
إرباك للقطاع الصناعي
ممثل قطاع المواد الغذائية في غرفة صناعة الأردن محمد الجيطان أكد أن القرار سيسبب إرباكا كبيرا للمصانع المحلية ويلحق ضررا في الصناعات الغذائية الأردنية.
وبين أن القرار وإن كان سيتيح التخفيض لمدة ثلاثة أشهر، إلا أنه «ستدخل مستوردات خلال هذه الفترة لأكثر من سنة، وفق تقديره.
ووصف الجيطان القرار بـ"الخاطىء» وأمِل من الحكومة العدول عنه فورا؛ وطالب بإعادة دراسة قرار التعديلات على جداول التعرفة الجمركية.
وبين الجيطان أن تخفيض الرسم الجمركي على بعض المواد التي لها مثيل محلي «سيخفض سعرها بصورة لا تستطيع المصانع المحلية منافسة المنتجات المثيلة المستوردة منها»، وهو ما يشكل تهديدا واضحا لهذه المصانع التي ستضطر إلى خفض إنتاجها، وبالتالي التأثير على تنافسيتها وعلى قدرتها على استحداث وظائف جديدة للأردنيين إن لم يفضِ إلى تسريح العمالة فيها.
وفيما يخص قطاع الصناعات الغذائية بين أن تخفيض التعرفة الجمركية على المستوردات، وبخاصة الطحينة «عصارة السمسم» وزيت فول الصويا (عدا الخام) ومعلبات الخضار، سيضر بشكل جلي المنتج المحلي منها، خصوصا وأن هذه المنتجات هي من الصناعات الرئيسة في المملكة، وترتبط بعدد كثير من الصناعات التي تستهلك جزءا كبيرا من مدخلات الإنتاج من المصانع المحلية.
وحض الحكومة على العمل على تخفيض الضريبة العامة على المبيعات بدلا من تخفيض التعرفة الجمركية.
القادري: القرار غير مدروس
وبين ممثل قطاع الجلدية والمحيكات إيهاب قادري أن القرار جاء مفاجئا وغير مدروس وليس عادلا للصناعات المحلية.
ودعا الحكومة إلى أن تجعل اتخاذ مثل هذه القرارات «ناتجة عن تشاركية مع غرف الصناعة على الأصناف التي لها مثيل محلي وأثرها المباشر على الصناعة والمستهلك».
وبين أن مثل تلك القرارات لها أثر مباشر على الاقتصاد الكلي الذي يحتاج الدعم المباشر للنهوض به، ولفت إلى أن هناك العديد من الأفكار والحلول التي تحمي المنتج المحلي وتحقق العدالة مع مثيله المستورد.
أبو حلتم: مراجعة منظومة الإجراءات الجمركية
رئيس منظومة صنع في الأردن الدكتور إياد أبو حلتم شرح لـ"الرأي» مدى التأثير الذي سيوقعه هذا القرار على الصناعة المحلية..
إذ يشرح بالقول إن التعرفة الجمركية في الأساس تتألف من 18 شريحة جمركية، وأن نحو 5500 سلعة مستوردة لها بند جمركي منفصل، معظمها ينحصر في 8 شرائح جمركية هي: صفر، 5، 6.5، 10، 15، 20، 25، 30، وباقي الشرائح العشر (من 35–200) بالمئة تراوح بين سلع محدودة مثل التبغ والمشروبات الكحولية.
المشكلة، كما يبين أبو حلتم، أن معظم السلع المستوردة، أكانت مدخلات إنتاج أو سلع تامة الصنع أو سلع شبه مصنعة، تتركز في الشرائح الجمركية الثمانية الأولى (من صفر–30) «التي تقترح الحكومة إعادة هيكلتها وتخفيضها».
ويلفت إلى أنه في البداية اقتُرحت شريحتان (صفر وخمسة) وهو ما لقي رفضا شديدا من غرفة الصناعة بسبب الأثر السلبي الكبير الذي ستتعرض له الصناعة المحلية وبخاصة مع عدم تكافؤ المنافسة بسبب ارتفاع الكلف التشغيلية للصناعة المحلية في المملكة من كلف طاقة وعمالة ومياه ونقل مقارنة بالمستورد.
ويقول أبو حلتم أن الأصل في فرض الرسوم الجمركية هو توفير نوع من العدالة مع البضائع المستوردة التي يأتي من بعض الدول التي تنخفض فيها كلف التشغيل مع توفير هذه الدول دعما كبيرا وحماية لصادراتها.
غير أن الوضع المحلي لدينا في الأردن أنه يمتاز بارتفاع الكلف تشغيلية للصناعة المحلية وعدم وجود حمايات أو دعم مباشر للصادرات الوطنية للصناعة المحلية.
وبيّن أنه بسبب الرفض المطلق من قبل القطاع الصناعي؛ صارت الحكومة تتحدث عن «حلول وسط» بحيث لا تضر القطاع الصناعي الذي مطلبه، بشكل واضح، «عدم المس بأي تعرفة جمركية لأي سلعة مستوردة لها مثيل محلي.
التعديل، بتقدير أبو حلتم، سيتسبب في إغراق السوق المحلية بمستوردات تأتي من دول شرق آسيا وتركيا وغيرها من الدول التي ليس للمملكة معها اتفاقيات تجارة حرة أو تخفيض جمركي.
واستدرك بالقول أنه رغم أن 90 بالمئة من مستوردات الأردن تأتي من دول مناطق تجارة حرة و10بالمئة خاضعة للجمارك (وفق أرقام الحكومة)؛ إلا أن «الخشية في حال تم إعادة الهيكلة وتخفيض الجمارك أن يزداد الاستيراد بشكل كبير من دول كالصين وتركيا، ما يضعف تنافسية السلع المحلية ويقضي على كثير من الصناعات المحلية.
ونبه أبو حلتم إلى أن غرفة صناعة الأردن «مع إعادة الهيكلة بشرائح عديدة تحمي المنتج المحلي، وأن تكون مدخلات الإنتاج (المواد الداخلة في الصناعات المحلية) بنسبة الصفر».
وذكّر أبو حلتم بأن الهدف الأساس من «التعرفة الجمركية» أن تقف «كنوع من الدعم للصناعة المحلية في ظل التفاوت الكبير في الكلفة التشغيلية للمنتجات المحلية مع المنتجات المستوردة ».
وشدد على أن المطلوب من الحكومة الآن «ليس إعادة هيكلة التعرفة الجمركية، بل إعادة تبسيط الإجراءات الجمركية والبيانات الجمركية والرسوم التي تتقاضاها دائرة الجمارك والجهات الرقابية على متن البيان الجمركي»، وهي «رسوم متعددة تصل لنحو 15 بند رسم على البيان الجمركي».
ولاحظ أن «البيان الجمركي معقد، وبخاصة عند استيراد مدخلات الإنتاج"؛ وكذلك الإجراءات الجمركية وإجراءات الرقابة على المنافذ الجمركية للبضائع وتحديدا مدخلات الإنتاج بحيث تستغرق وقتا طويلا، «ما يزيد من كلفة الاستيراد للصانع الأردني».
ورأى أبو حلتم أن المنظومة الجمركية تحتاج إعادة تبسيط و"هندرة» لكافة الاجراءات وبخاصة إذا علمنا ان الاجراءات الجمركية تتقاطع مع إجراءات العديد من الجهات الرقابية مثل مؤسستي الغذاء والدواء والمواصفات والمقاييس ووزارتي الزراعة والبيئة وغيرها من الجهات الرقابية الأخرى.
وأكد أن المطلوب «إعادة النظر في مجمل المنظومة الجمركية من إجرائها بهدف تبسيط انسياب البضائع عبر المنافذ الجمركية وبخاصة مدخلات الإنتاج»